الجزائر هو أكبر بلد أفريقي مساحة، و أكثر من نصف سكانه شباب تحت الثلاثين و يملك ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في أفريقيا من بين عشرين بلدا من كبار مصدري النفط على مستوى العالم، إضافة إلى موارد أخرى مثل خام الحديد والفوسفات واليورانيوم والرصاص وإمكانيات سياحية طبيعية.
تبدو هذه مقادير وصفة موفقة لبناء اقتصاد قوي، غير أن الواقع يكشف عن صورة أخرى
خدمات عامة متردية وتنمية لا تصل إلى جميع المناطق ،وإقبالا على الهجرة وتقارير تشير إلى أن ربع الجزائريين تحت خط الفقر، معدل بطالة بلغ أحد عشر فاصل سبعة في المائة وأصوات شعبية ناقمة على الأوضاع.
إذن ما حقيقة الثروة النفطية بالجزائر؟
المتلازمة الهولندية أو لعنة الموارد أن تخلق وفرة الموارد الطبيعية اقتصاد ريعي يعتمد في إيراداته على مصادر يكون إسهام المواطنين فيها محدودا وهو ما يؤدي إلى تراجع التخطيط الاستراتيجي والقطاعات الاقتصادية الأخرى. ورغم حالة البذخ التي قد يعيشها هذا المجتمع إلا أنه يبقى رهينة لتقلبات السوق مع احتمال ظهور فجوة بين عامة الشعب والطبقة الحاكمة.
هكذا يلخص خبراء وضع اقتصاد الجزائر أحد أقل الاقتصادات تنوعا بعائدات نفط وغاز تمثل ستين في المائة من ميزانية الدولة وأربعة وتسعين في المائة من مداخيل البلاد من العملة الصعبة.
الحكومات المتعاقبة لم تنجح في وضع أسس للقطاع السياحي أو إنعاش القطاع الزراعي في ظل مخاوف أمنية وحواجز تشريعية وبيروقراطية تعيق إقبال المستثمرين بالإضافة إلى وجود سجل طويل في مؤشرات الفساد إلى درجة أن أحد التقارير أكد أن ثمانين في المائة من الثروات تتركز في أيدي عشرة في المائة فقط من الجزائريين.
أول قطرة نفط :
اعتماد الجزائر للمحروقات بدأ جنوب العاصمة حيث تقول الرواية الشائعة إن أول بئر بترولية اكتشفها مواطن هم بحفر بئر بحثا عن الماء ليتفاجأ بصعود سائل زيتي أسود، السلطات الفرنسية التي كانت تحتل الجزائر في ذلك الوقت سارعت إلى مصادرة المكان حاسي مسعود تحولت لاحقا إلى عاصمة الذهب الأسود، لكن بداية الاستغلال الفعلي للنفط كان عام ألف وتسعمائة وستة وخمسين في ظل استمرار محاولة فرنسا السيطرة على هذا المورد حتى بعد استقلال الجزائر. لاحقا أنشئت الشركة الوطنية للمحروقات سوناطراك وكان هدفها نقل وتسويق المحروقات فقط بسبب افتقار الجزائر إلى الخبرة إلى أن أعلن الرئيس الجزائري هواري بومدين تأميم المحروقات .
وبذلك أصبحت الجزائر تملك واحدا وخمسين في المائة من حصص الشركات الفرنسية التي كانت تنشط في الجنوب. توسعت سوناطراك مع الوقت وضاعفت رأس مالها عدة مرات لتخوض غمار التنقيب والإنتاج وليشمل نشاطها مشتقات بتروكيميائية أخرى.
في التسعينيات تحولت إلى مجموعة دولية تنفذ مشاريع عملاقة أبرزها أنبوب يمر عبر المغرب ليزود إسبانيا والبرتغال بالغاز الجزائري. ملكية سوناطراك تعود كليا للدولة الجزائرية وصلاحية تعيين وإقالة رؤسائها من اختصاص رئيس الجمهورية. سجل الشركة تأثر بفضائح فساد ضمت مديرين كبار ووزير الطاقة الجزائري الأسبق وكشفت عن رشى وعمولات تخللت صفقات مع شركات أجنبية. ظاهرة تزاوج المال والسياسة شائعة في الجزائر وكانت وراء كبريات قضايا الفساد في العشرين سنة الماضية منها ما تفجر محليا وانتقل إلى أروقة القضاء ومنها ما أشارت إليه تسريبات مختلفة تحدثت عن تفاهمات غير قانونية بين رجال أعمال وسياسيين وجنرالات لاحتكار أسواق تجارية واختلاس وتبييض أموال وكسب غير مشروع وتهريب مبالغ ضخمة إلى ملاذات ضريبية. إيقاف عجلة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة كان من أهم مطالب الحراك الشعبي الذي شهدته البلاد والذي تلته اعتقالات وملاحقات قضائية أطاحت بشخصيات طالما سيطرت على المشهد السياسي والاقتصادي.
الخيارات :
الدولة الجزائرية اليوم بحاجة تقريبا إلى أن يكون سعر برميل النفط مائة وخمسة عشر دولارا كي تتساوى الإيرادات والنفقات وهذا تحقق في الماضي بالفعل خاصة عندما بلغ سعر البرميل مائة وستة وأربعين دولارا عام ألفين وثمانية لكن التراجع المتكرر لأسعار النفط العالمية سبب أزمة حقيقية واجهت فيها الجزائر ضغوطا كبيرة لتسديد فاتورة وارداتها ووقف انهيار عملتها وتجنب الارتفاع الشديد في الأسعار. هبوط الأسعار عام ألفين وأربعة عشر مثلا خفض إيرادات الجزائر إلى النصف .
الثانية هي اللجوء إلى سياسة التقشف حيث أحيانا تجبرها حدة الأزمة وطولها على اللجوء إلى التقشف كما فعلت بداية من ألفين وخمسة عشر عبر تقليص استيراد بعض السلع وتجميد عدد من المشاريع والحد من التوظيف العمومي إضافة إلى زيادة الضرائب.
الثالثة وهي كسر التبعية النفطية : في ظل محاولتها تجنب خيار الاستدانة من الخارج أعلنت مؤخرا عن مشروع لتنويع الاقتصاد والاستثمار، يأتي هذا مع اعتراف الحكومة بأن السياسات المتبعة غير ناجحة وبأنها تواجه صعوبة في إصلاحها.
وعلى هذا الأساس تقول إنها تعمل تدريجيا على فتح قطاعات غير نفطية وتذليل العقبات أمام القطاع الخاص وتخطط لإلغاء قوانين تحد سقف الملكية الأجنبية في مشروعات القطاعات غير الاستراتيجية.
الخيارات :
الدولة الجزائرية اليوم بحاجة تقريبا إلى أن يكون سعر برميل النفط مائة وخمسة عشر دولارا كي تتساوى الإيرادات والنفقات وهذا تحقق في الماضي بالفعل خاصة عندما بلغ سعر البرميل مائة وستة وأربعين دولارا عام ألفين وثمانية لكن التراجع المتكرر لأسعار النفط العالمية سبب أزمة حقيقية واجهت فيها الجزائر ضغوطا كبيرة لتسديد فاتورة وارداتها ووقف انهيار عملتها وتجنب الارتفاع الشديد في الأسعار. هبوط الأسعار عام ألفين وأربعة عشر مثلا خفض إيرادات الجزائر إلى النصف .
في مثل هذه الحالات تلجأ البلاد إلى ثلاث مقاربات :
الأولى عنوانها لننتظر ونرى أي أنها تختار الترقب أملا في تعافي أسعار النفط في المستقبل القريب معولة على احتياطي النقد الأجنبي لمعالجة عجز الموازنة. الثانية هي اللجوء إلى سياسة التقشف حيث أحيانا تجبرها حدة الأزمة وطولها على اللجوء إلى التقشف كما فعلت بداية من ألفين وخمسة عشر عبر تقليص استيراد بعض السلع وتجميد عدد من المشاريع والحد من التوظيف العمومي إضافة إلى زيادة الضرائب.
الثالثة وهي كسر التبعية النفطية : في ظل محاولتها تجنب خيار الاستدانة من الخارج أعلنت مؤخرا عن مشروع لتنويع الاقتصاد والاستثمار، يأتي هذا مع اعتراف الحكومة بأن السياسات المتبعة غير ناجحة وبأنها تواجه صعوبة في إصلاحها.
وعلى هذا الأساس تقول إنها تعمل تدريجيا على فتح قطاعات غير نفطية وتذليل العقبات أمام القطاع الخاص وتخطط لإلغاء قوانين تحد سقف الملكية الأجنبية في مشروعات القطاعات غير الاستراتيجية.
مهمة أصبحت ملحة أكثر من أي وقت مضى في ظل التحذيرات من استنساخ مصير فنزويلا أو تكرار سيناريو قديم واجهت فيه الدولة انتفاضة شعبية كانت الظروف الاجتماعية السيئة من أهم أسبابها فهل تنجح البلاد في اجتياز هذا الاختبار.
شاركوني تعليقاتكم وآراءكم ولا تنسوا أن تشاركوا هذا الموضوع مع
أصدقائكم